في أحد الأيّام زارتني جارتي على غير عادتها، وأحسستُ من زيارتها المفاجئة أنّها تريد أن تحكي لي عن
شيءٍ هامٍّ، أو لعلّه أمراً ما يُثقِل كاهلها، وتحتاج لمن تتكلّم معه.
لم يتم العثور على الفيديو المطلوب
جارتي شابّة مُطلّقة تعيش مع ابنها الوحيد، الذي تركه لها طليقها بعد أن تزوّج بأُخرى، وسافر للعيش في بلد بعيد. وأعرف أنّها تنقّلت في أكثر من وظيفة لظروف مختلفة.
بدأت الجارة تحكي لي أنّها تعرّفت من خلال عملها الذي تركته أخيراً على عميل كان يتردّد على الشّركة لإتمام أعماله التّجاريّة. ثمّ بدأتْ تشعر بعد فترة، أنّه يختَلِق الأعذار للذّهاب للشّركة لمُجرّد رؤيتها. ثمّ أصبح يتّصل بها هاتفيّاً بحجّة أنّه يريد الاطمئنان على أخبارها. ثمّ صارحها برغبته في الزّواج منها.
· قلت لها: "وماذا يمنع"؟!.
· أجابت الجارة (وهي مُرتبِكة): "لا شيء، لكنّه ... لكنّه متزوّج، ولديه أبناء، ويريد أن يكون زواجنا عُرفيّاً". وعندما شاهَدتْ هذه الجارة مظاهر الدّهشة على وجهي، وقد بدا عليَّ أنّني سأُقدّم لها بعض النّصائح عن مساوئ الزّواج العُرفي، فإذ بها تفاجئني بقولها:
· "أريد منك خدمة ...، أريد أن أعرف مدى جديّته في هذا الزّواج، وهل ينوي الاستمرار فيه أم لا؟! فقد سمعتُ عنه أنّه بحُكم مركزه المرموق وأمواله الكثيرة أنّه "لا أمان له"! وقد سمعت قصصاً كثيرةً عنه وعن علاقاتهالمشبوهة. وما أريده منك بحُكم عملك في مجال عمله، أن تعرفي هل القصص التي سمعتها عنه صحيحة، أَمْ أنّها مُجرّد شائعات؟".
وانتهت الزّيارة!
لم أُدرِك تماماً ما قالته هذه الجارة حتّى بعد انصرافها، فكيف تتحدّث بهذه البساطة والاستخفاف عن موضوعٍ هامٍّ كالزّواج؟!.
وسألتُ نفسي: ماذا تريد بالضّبط؟، هل تطلب نصيحتي ورأيي في ظروف هذا الزّواج العجيب؟. لا!
فهي لم تطلب منّي رأياً في الموضوع، وهذا يدلّ على قناعتها التّامّة بما هي مُقدِمة عليه، وإنّما تريد أن تعرف حقيقة الكلام الذي سَمعتهُ عنه. بالرّغم من علمها المُسبَق بأنّه "لا أمان له". وبالطّبع، هي تعرف أنّه شخص غير جدير بالثّقة، وبالتّحديد في موضوع الزّواج. وهي تعرف أيضاً أنّ زواجه بها ليس عن اقتناعٍ بشخصيّتها أو عن حُبْ، وإنما هو رغبة وقتيّة للاستمتاع معها بضعة أسابيع أو أشهر، ثمّ يعود كلّ واحد لحياته السّابقة. في كلّ هذه القصّة لم أفكّر سوى في ابن هذه الجارة إبن الثّلاثة عشر عاماً، وما تحمِله هذه السِّنّ من متاعب ومسؤوليّات وهموم!.
مرّتْ بضعة أيّام وتزوّجَتْ هذه الجارة، ونفّذت ما أرادت، حتّى قبل أن أخبرها بما سمعتُ أو عرفتُ عن هذا الشّخص "هاوي الزّيجات العُرفيّة"!.
ولم أعرف ظروف إتمام هذه الزّيجة بالضّبط، ولكن هذه الجارة كانت تختفي لبضعة أيّام قد تطول أو تقصر، ثمّ تظهر مجدّداً لفترة بسيطة، تعود بعدها لتختفي مرّة أخرى. وقد خمَّنتُ أنّها ربما كانت تسافر معه بعيداً عن أسرته وأسرتها وابنها، وقد صحَّ تخميني.
ثمّ حَدَثَ الطّلاق! وعادت جارتي إلى الحيّ، لكنّها لم تعد تظهر كثيراً في الحيّ كما هي العادة.
أمّا ذلك العميل والزّوج السّابق فأعتقدُ أنّه عاد إلى ممارسة هوايته مع امرأة أخرى قد تكون لها ظروف مشابهة بظروف جارتي.
أسئلة كثيرة بدأت تدور في رأسي:
كيف ستكون شخصيّة هذا الابن المراهِق عندما يكبر؟ هل يعرف هذا الابن بأنّه لا يعيش حياة سويّة بسبب الظّروف الغريبة المحيطة به؟ وما هي فكرته عن الزّواج، عن المرأة، عن المال، عن الحياة بصفة عامّة؟
ما الذي أَجبرَ جارتي على اتّخاذ هذا القرار الخطير في الارتباط بهذا الشّخص؟ وهي تعرف مسبقاً مخاطر الزّواج العُرفي من جهة النّجاح والدَّيمومة. فلماذا تُجازف باستقرارها وبكرامتها؟!.
عرفتُ مؤخّراً أنّها كامرأة وحيدة تبحث عن الأمن والأمان من خلال رجل تعيش في ظلّه. لكنّي أجزم أنّها استنتجت من خلال هذه التّجربة المؤلِمة أنّ الأمان الذي وفّره لها هذا الرّجُل كان مزيّفاً ووقتيّاً. فقلت في نفسي لو أنّ هذه الجارة تتعرّف على
السّيّد المسيح الذي يستطيع أن يمنحها أماناً حقيقيّاً ودائماً. فهو الذي ضحّى بنفسه من أجلها لأنّه يحبّها كما أنّه يحبّ كلّ البشر. وهو يرغب في أن يدخل حياتها ليغيّرها بالكامل ويعطيها قيمةً وسلاماً حقيقيّاً مع نفسها ومع الآخرين.
أنتظرُ الفرصة المناسبة كي أهديها الكتاب المقدّس كي تقرأه وتتعرّف من خلاله على الرّبّ يسوع المسيح وعلى محبّته لها شخصيّاً، فهو الإله الوحيد الذي يعطي قيمةً وأماناً لحياة الإنسان، اللّذين يبحث عنهما كلّ شخص.
عزيزي تعال لتتعرّف على أقوال الله عن الزّواج!!
- ليكن لكلّ رجُل امرأته، فقد عيّن الله منذ البداية قانون الزّواج، لكلّ رجُل امرأة واحدة فقط، ويجب على الرّجُل أن يُخلِص في محبّته لامرأته فيحبّها كما أحبّ المسيح الكنيسة.
- أن تُخلِص المرأة في حبّها لرجُلها، وتكون أمينة، خاضعة له، فهذا الخضوع ليس عن ضعف أو اضطرار، بل نتيجة الحُبّ اللانهائي من الزّوج لزوجته.
- أنّ الأب والأم هما المَثَل والقُدوة للأبناء، فماذا يفعل الابن الذي يرى أحد والديه يتزوّج مراراً وتكراراً! ما هي الرّسالة التي تصل للابن من هذا الفعل المُشين؟ فكما يفعل الوالدَين، هكذا يفعل الأبناء!.
- أنّ الزّواج هو تشبيه حقيقي لعلاقة المسيح بالكنيسة، فكما نرى أنّ المسيح بذل نفسه و ضحّى من أجل كنيسته حتّى الموت، هكذا يجب على الزّوجين أن يُظهِرا ذلك في علاقتهما بعضهما ببعض ، فمعظم حالات الطّلاق أساسها أنّ كلا الطّرفين يتساءل عمّا سيربح من ارتباطه؟ وما هو العائد الذي سيعود عليه من هذا الزّواج؟ فالزّواج أصبح مشروع تجاري في المقام الأول، فقد غيّر البشر تماماً مفهوم الارتباط الذي وضعه الله! فإنّ الارتباط الذي بحسب فكر الله يُعلِّمني كيف أعطي الطّرف الآخر بَدَلَ الأخذ منه، وكيف أُحِبّ الآخر قبل أن أُحَبَّ منه، وكيف أسدّد احتياج الآخر قبل أن أسدّد احتياجي الشّخصي، وكيف تكون سعادتي في إسعاد الطّرف الآخَر بدلاً من البحث عن ذاتي ... وكما تُعلِّمنا كلمة الله "مغبوطٌ عند الله العطاء أكثر من الأخذ".
إنّ الارتباط قرار مصيري في الحياة ويحتاج إلى تأنّي، فقبل التّفكير فيه علينا أن نتعلّم كيف نُنكِر ذواتنا وكيف نُحبّ ونضحّي، فهذه هي المسؤوليّة الموضوعة على عاتقنا!.