search
burger-bars
Share

Did-I-leave-my-fiance-patientالتقيت منذ فترة بصديقة من صديقات العائلة سأسمّيها "بسمة"، وهو اسم مستعار، وكنت أعرفها منذ زمن بعيد، وسمعت بأنّها تمرّ بمشكلة من أصعب ما يمكن أن تمرّ بها فتاة في مثل سنّها.

 

فقد تقدّم لخطبتها شاب لطيف ومهذّب، وبالفعل قبلت الارتباط به، وتمّت خطبتهما، في جوّ جميل ورضا من أهل الطّرفين. تلك ليست المشكلة! المشكلة أنّ خطيبها بعد بضعة أشهر أصيب بمرض سرطان الدّم، وبعد فترة من العلاج فقد الأطبّاء الأمل في شفائه، ولم يعطوه إلّا بضعة أشهر للحياة، وهنا تأزّمت حياة "بسمة" مع تأزّم حياة خطيبها.


حاول أهلها إقناعها بأنّ عليها أن تتركه لأنّه لن يصير لها زوجاً في يوم من الأيّام لأنّ نهاية حياته باتت وشيكة، وقالوا إنّ هذه ليست خيانة بل هي راحة لها وله لأنّ مشاعرهما ستتأذّى كثيراً لو ظلّت علاقتهما مستمرّة حتّى اللّحظات الأخيرة من حياته.
وقالوا أيضاً إنّ تلك الذّكرى المؤلمة، لو واصلت العلاقة معه حتّى اللّحظات الأخيرة، ستظلّ تُثقِل كاهل ذاكرتها طوال الحياة لو لم تتوقّف عن علاقتها به.


أمّا رأي بعض صديقاتها فكان أنّها لو تركته فهي تخونه وتتخلّى عنه في وقت محنته وأنّ الظّروف الصّعبة هي التي تُظهر معدن الإنسان، لذا فصديقاتها كنّ يرينَ أنّ عليها ألّا "تتخلّى" عنه مهما حدث.


وبين هذا الرّأي وذاك شعرتْ "بسمة" بالألم والتّشتّت وشدّة التّأرجح ممّا جعل من الصّعب عليها اتّخاذ القرار الذي تشعر بصحّته.
قبل أن أقول لكم القرار الذي اتّخذته بسمة، دعوني أؤكّد على بعض الأمور التي يمكن أن تساعد في اتّخاذ قرار كهذا.


أوّلاً: في شؤون العلاقات والأخلاقيّات لا تكون هناك قرارات صحيحة بشكل مطلق أو خطأ بشكل مطلق. في الوصايا الإلهيّة لا سيّما الوصايا العشر، بالطّبع هناك خطأ وصواب. فيما يتعلّق بالقوانين وبأعراف المجتمع، بالطّبع هناك خطأ وصواب.
أمّا في بعض مواقف العلاقات الأخلاقيّة فقد يكون أمراً ما صحيحاً للبعض وخطأ للبعض الآخر، لذا من الضّحالة أن نظنّ أنّ هناك تقييم واحد صالح وما سواه خطأ.
لا يمكن الحكم على رأي أهل بسمة بأنّه الصّواب المطلق ولا على رأي صديقاتها بأنّه الصّواب المطلق. من خلال قِيَمنا ورؤيتنا للحياة نحدّد ما الصّواب بالنّسبة لنا في تلك المواقف.


ثانياً: النّاس يتجاوبون مع المرض والألم بطرق مختلفة. البعض يرغب في أن يُترك بمفرده، ويُشعره هذا أنّه بحال أفضل. والبعض يرغب في أن يكون مع النّاس. ما طبيعة الشّخص المريض؟ أيّ أسلوب أفضل له؟ وأيّهما سيريحه أكثر؟


ثالثاً: من الحتمي أن نعرف هنا أنّ جوهر العلاقات النّاجحة هو الحبّ غير المشروط الذي يعكس حبّ الله غير المشروط لنا. ولذا لا بدّ أن تنبع كلّ قراراتنا في العلاقات من هذا الأساس: أنا أحبّ هذا الشّخص حبّاً غير مشروط، فكيف عليّ أن أتصرّف بناءً على هذا الحبّ؟


رابعاً: وأخيراً، قاعدة المعاملات الذّهبيّة التي نحتها لنا السّيّد المسيح تقدّم إرشاداً إلهيّاً مذهلاً في هذه المواقف "كلّ ما تريدون أن يعاملكم النّاس به، فعاملوهم أنتم به أيضاً: هذه خلاصة تعليم الشّريعة والأنبياء.".


لا يوجد ردّ سهل على سؤال: "إذا عرفتُ أنّ خطيبي مريض، هل أتركه أم لا؟" ولكن أثق أنّ تطبيق تلك القواعد والتّفكير فيها سيرشدنا لردٍّ شافٍ. في النّهاية قرّرت "بسمة" أن تظلّ مخطوبة لمن ارتبطت به حتّى آخر نَفَس، وفي رأيي، كان هذا مؤلماً، ولكنّه جعل منها إنسانة أفضل وأنبل.

 

FacebookXYouTubeInstagramPinterestTiktokThreads
دردشة
تم إغلاق هذه الدردشة

تحميل تطبيق "الإيمان والحياة"

Android
iPhone