"واثقُ الخُطوةِ يمشي مَلَكاً" ... إنّ واحداً من أهم جوانب نموّ الشّخصيّة هو تطوير المفهوم الذّاتي للشّخصيّة بطريقة صحيّة. فما نفكر به عن
أنفسنا وطريقة تقييمنا لها هو بالحقيقة الذي يحدِّد لنا ما سنفعله في حياتنا، وهو العامل الأساسي ويكاد يكون الوحيد الذي يشكِّل طريقة حياتنا والكيفيّة التي سنعيش بها. هذا بالنّسبة للإنسان بشكل عام أمّا بالنّسبة للأطفال فالمسؤوليّة الأكبر تقع على الوالدَين، فهُما من يؤثِّر في تطوير الإحساس بالنَّفْس لدى الطِّفل بشكل صحّي وإيجابي، أو بشكل مَرَضي وسلبي. كما أنّهما من يُقرّر شكل الشُعور بالذّات عند أطفالهم.
في هذه المقالة نتوجَه للأهل ببعض الإرشادات التي يمكن أن تفيدهم في اختيار نوع وشكل الطّريقة التي عليهم أن يُطوِّروا من خلالها الوعي بالنَفْس عند أطفالهم:
1. المديح: من منّا لا يحتاج إلى المديح؟ بالطّبع كلّنا بحاجة له. لكن ليس كلّ مديح يمكن أن يكون فعّالاً. ولكي يكون مديحنا لأطفالنا فعّالاً يجب أن يكون:
- حقيقيّاً، كأن نستخدم الجُملة التّالية: "أُحبّ الطّريقة التي تتذكّر بها مهامَك الخاصّة"، بَدَلاً من استخدام هذه الجملة: "برافو نجاح باهر، أنت ذكي!، في المرّة القادمة عليك تخطّي كلّ الأطفال الآخَرين".
- موجَّهاً نحو نقاط الضّعف عند طفلنا، أيّ في المجالات التي يصعب على الطّفل القيام بها كـ: "أعرف بأنَه من الصّعب عليك إبقاء غرفتك نظيفة، لكن أنا حقّاً فخور بك لأنّك حاولت تنظيفها خلال هذا الأسبوع". فمن خلال إعلامك له بأنّك ترى وتُقدِّر المجهود الذي يبذله، فأنت تُعزِّز ثقته بنَفْسه وتدعمها.
2. النَّقد: ساعد طفلك على تطوير "اللامبالاة العاطفيّة" التي لديه للتّعامُل مع النّقد، وذلك بأن يتعلّم التّمييز بين الانتقادات الصّحيحة والانتقادات غير الصّحيحة التي لا تبرير لها. وبالتّالي يصبح قادراً على تعلُّم الانتباه إلى ما يُوَجَّه إليه من ملاحظات، فيَقبل الصّحيح منها ويُقدِّم الشُّكر عليها. أمّا الانتقادات غير المُبرَّرة وغير الصّحيحة فيُردّ عليها بشكل مُهذّب، بَدَل تحريك كتِفَيه باستنكار كعلامة على رفضه لهذا النّوع من الانتقاد.
3. الإهانة وإثارة الغَيظ: هذه في الحقيقة تساوي الانتقادات غير الحقيقيّة وغير المُبرَّرة. عليك أن تتعاطف مع طفلك وعلِّمه الرَد بلطف وبفخر على النّقد مهما كان جارحاً. علِّمه رفض الكلمات السّلبيّة ووضع حَدّ للآخَرين بأدب وإيقافهم عن توجيه أيّ نقد مُغرِض له بكلّ هدوء ودون عصبيّة.
4. الرّفض: إنّه إحساس قاسي لا يمكن لأحد تجاهله، فمن الصّعب على طفلك أو على أيّ إنسان قبول الرّفض أو الشّعور بأنّه شخص غير مرغوب به. كثيراً ما تتملّك أطفالنا مشاعر الرّفض بسبب تصرّفات وُجِّهت إليهم من أصحابهم، فقد يُمنَعون على سبيل المثال من المشاركة في نشاطات الفصل في المدرسة أو يتمّ إخراجهم من الفريق، إنّ الصّبر والتّعاطف مع طفلك وتأكيد قيمته له بشكل دائم برغم إحساسه بخيبة الأمل سيساعده كثيراً. فعليك أن تشجّعه على القيام بعمله على أحسن وجه، كذلك على تطوير علاقات إيجابيّة مع الآخرين. أكّد له نقاط قوّته وساعده على إدراك حقيقة أنّه لن يكون الأفضل والأحسن في كلّ شيء، بل من الممكن أن يكون هناك من هو أفضل منه في عمل ما أو لعبة ما. كذلك أخبره بأنّه من الممكن أن يقابِل بعض الأشخاص الذين لن يُحبّوه، لكنّه مع ذلك يبقى شخصاً مهمّاً ومُفضَّلاً لديك ولدى الله خالقه.
5. المظهر: شجّع طفلك على أن يُحبّ مظهره مهما كان شكله أو مواصفاته. علِّمه بأنّه لا يحتاج لأن يكون عارضاً أو عارضةً للأزياء، بل كلّ ما عليه أن يفعله هو الابتسام فابتسامته يمكن أن تخترق أعظم القلوب وتجذب إليه الآخَرين. وإن كانت لديه بعض المشاكل في زيادة الأكل أو نقصانه فعَليك تدريبه على اتّخاذ واكتساب عادات أكل صحيّة، وشجّعه وساعده على ممارسة النّشاطات الرّياضيّة والاجتماعيّة، لكن لا تدفعه إليها دفعاً بل شجّعه عليها بهدوء ومحبّة وروِيّة.
6. الأخطاء: ما من أحد كامل ومثالي في هذه الحياة، لذلك ساعد طفلك على التّعلّم من أخطائه وعرِّفه كيف يعالجها ويصحِّحها. خُذ بيده كي يتخطّى فشله وأَخبره عن مواقف وخبرات فشلكَ الخاصّة وكيف تمكّنتَ من تخطِّيها وتجاوُزها. درِّبه على وضع أهداف محدّدة ومعقولةْ الإنجاز وعلّمه كيف يسعى بطُرُق مختلفة لتحقيقها. أَخبره بألّا يخاف حتّى ولو كان موعد هذه الأهداف قريب التّحقيق، إذ يكفي جهده المبذول لتحقيقها وهذا أهمّ نجاح له.
الموارد الرّوحيّة للصّورة الذّاتيّة: طفلك شخص قيّم وغالي وثمين ومحبوب من الله وهو يستحقّ هذا، لأنّ الله سبحانه وتعالى خلقه ذو قيمة عالية، وليس هو فقط بل نحن جميعاً قيّمون بلا استثناء.
في بعض الأحيان قد نُعلِّم أطفالنا بعض الجُمَل الخاطئة، كأن نقول لوَلدِنا: "الله يُحبّك عندما تكون طيّب ومطيع وتحترم والِدَيك، وعندما تُصلّي وتصوم وتكتب واجبات المدرسة وتساعد في أعمال البيت". إنّه من الخطأ ربط محبّة الله لأطفالنا بشروط نضعها نحن أو بأمور نرجو منهم القيام بها، فمحبّة الله غير مشروطة وغير محدودة وغير مرتبطة بظروف أو أحداث أو مواقف وغير مَبنيّة على ردود أفعالنا. بل بالأَولى أن نُعلّمهم أمراً واحداً ومهمّاً وهو: "الله يُحبّكم" دون أيّ إشارات أو علامات استفهام أو تعجّب ودون أيّ مقابل.
إنّ أفضل منبع لاحترام الذّات وتطويرها بشكل صحّي هو معرفة الحُبّ والقبول غير المشروط، وهو بالطّبع قبول الخالق لمخلوقاته ومحبّته لهم دون حدود، إنّ هذا هو الأساس الذي يمكننا به أن نقبل أنفُسنا ونحرّرها من أيّ قيود أو أخطاء يمكن أن تشوّهها، فالأساس هو القُبول والمحبّة.
الكتاب المقدّس غنيّ بكلمات المحبّة الخالصة والنّقيّة، مُفعَم بغَمر وفَيضِ الحُبّ السّامي غير المشروط. إنّ محبّة الله غير المشروطة والسّامية عَلّتْ من قيمة الإنسان ورفّعَتها، فبالحُبّ صنع الله الحياة. لقد أكّد الرّبّ يسوع في <a href="index.php?option=com_bible&view=books&Itemid=1122">إنجيل</a> يوحنّا 15: 13
. على أنّ أعظم مقياس للمحبّة هو أن يضع الإنسان نَفْسه لأجل أحبّائه.
إذا كنت تريد المساعدة أو كان لديك أيّ استفسار يمكنك التّواصل معنا (من هنا)