الكلام هو إحدى العطايا والإمكانات الرّائعة التي أعطاها الله للبشر للتّواصل والتّفاهم فيما بينهم.
ولكن هناك كلمات تبني وأُخرى
تهدم، وكلمات تُحرِّر وتُطلِق، بينما غيرها يُقيِّد ويُعثِر، بعضها يشفي ويُبرِئ، والبعض الآخَر
يُؤذي المشاعر ويجرحها.
ما هي فائدة الكلام؟
الكلام وسيلة أوجدها الله للإنسان ليتواصل ويتفاعل مع غيره من بني البشر المُحيطين به. ولأنّ الإنسان - كما هو معروف - كائن اجتماعيّ بطبعه، فإنّ الكلام والحوار يُعتبران أمرَين ضروريّين وحيويّين ولازمَين له، كي يُواصل حياته وتفاعلاته مع من هُم حوله بنجاح وكفاءة وفاعليّة.
بمَ يتكلّم اللسان؟
إنّ كلام الفمّ أو اللسان، ما هو في الحقيقة إلاّ تعبيراً عمّا بداخل الإنسان من أفكار واتّجاهات وانطباعات. عن هذا يقول الوحي المُقدّس في إنجيل متّى 12: 34 . ويُكرّر السّيّد المسيح هذه العبارة نفسها لكن بتوضيح وتفصيل أكثر في مُناسبة أُخرى، إذ يقول في إنجيل لوقا 6: 45 .
كيف يَصِف الكتاب المُقدّس اللّسان؟
يتحدّث الرّسول يعقوب بأهميّة بالغة عن اللسان والكلام، ويضع وصفاً مُهمّاً عن اللسان إذ يقول في رسالته: رسالة يعقوب 3: 2 - 12
. ما أجمل وما أروع هذا الكلام!!. هل لاحظت عزيزي القارىء أنّ اللسان يُمكن أن يكون ناراً تُحرِق وتُهلِك؟ أ ليست هذه هي الحقيقة التي نلمسها في واقع الحياة من حولنا؟ نعم، فكَم من بيوت خربت وأُسَر تشتّتت وجرائم ارتُكبت من جرّاء كلام لم يكُن في محلّه، فأَثمَرَ مثل هذا الثّمر المُفجِع!!.
خطورة الكلام غير المحسوب؟
اللسان المُنفلِت الذي ينطق بكلام خاطئ غير محسوب، إنّما يقود إلى الدّمار على كلّ المستويات. إنّه يُسيء للنّاس ويُفسِد العلاقات، وما نبنيه من علاقات طيّبة في سنوات، يُمكن هدمه بكلمة واحدة مُتسرِّعة تخرج ليست في أوانها أو بأسلوب لا يليق، ممّا يجعل طريق العودة لبناء مثل هذه العلاقات من جديد أمراً صعباً جدّاً، ولكن ليس مُستحيلاً!. بل ينبغي في هذا الصّدد أن نُضيف فنقول ما ذكره الوحي المُقدّس في إتجيل متّى 12: 36 - 37 . والكلمة البطّالة في أصل اللغة لا تعني الفاسدة أو الشّريرة، بل هي الكلمة غير البنّاءة، حتّى وإن لم تكُن شرّيرة.
ماذا أعمل وكيف أتصرّف إن أسأتُ بلساني للآخرين؟
إنّ الأمر هنا يتطلّب شجاعة أدبيّة وجرأة ومُكاشفة للنّفس، ومن ثمّ قُدرة على الاعتذار وطلب الغفران، وإصلاح الأخطاء التي ارتُكبت وتحمُّل النّتائج المُترتّبة عنها. ولا يفوتنا أن نَحذر من تكرار حدوث أمر كهذا في المُستقبل، فالحكيم هو من يتعلّم من أخطائه، ومع أنّنا كُلُّنا بشر نخطئ، إلاّ أنّ الصّالح منّا هو ذاك الذي إذا أخطأ، لا يُكرّر الخطأ.
كيف أستخدم الكلام واللسان بطريقة صحيحة وبنّاءة؟
إليك بعض النّصائح الموجَزة كي تتّبعها:
ـ تذوَّق الكلمة قبل أن تنطقها: إسأل نفسك هل هذه الكلمة تبني أم تهدم؟ تُشجِّع وتُعضِّد أم تُؤذي وتجرح المشاعر؟ هل تُحبّ أنت أن تتلقّاها من أحد؟ وما هو وَقعها وتأثيرها على مُستقبِلِها؟ ثمّ أجب عن مثل هذه الأسئلة بأمانة وموضوعيّة حتّى تُساعدك على تقرير ما ستقول.
ـ لا تستعجل النُّطق بالكلمات خصوصاً وقت الغضب: وقت الغضب والانفعال وانفلات الأعصاب هو أيضاً وقت انفلات اللسان بكلام لا يليق، بل ومُدمِّر!. لهذا كُن حريصاً جدّاً بألاّ تندفع بالكلام وقت غضبك أو ثورتك. عن هذا تقول الكلمة المُقدّسة في رسالة يعقوب 1: 19 .
ـ دعِ الله يتحكّم في فكرك وقلبك، فيُوجِّه لسانك التّوجيه الصّحيح: نعم، فبما أنّ الفمّ واللسان يتكلّمان من فَضلِة القلب، أيّ ممّا هو داخل القلب، فإنّه من اللازم علينا أن نُسلّم قلوبنا وإرادتنا لله، فنجني بذلك أجوَد الثّمار وننطق بأفضل الكلام.
ـ درّب نفسك على تجنُّب كلّ ما هو سلبي وهدّام، والنُّطق بكلّ ما هو إيجابي وبنّاء: إنّ المسألة مسألة تدريب، وبمعونة الله وقيادته سيكون بمقدورك اجتيازها بنجاح. إحرَص ألاّ تسُبّ أو تحلُف، بل ليكُن كلامك واحداً، واضحاً، شفّافاً، صادقاً وأميناً. إن فعلتَ هذا سيَرضى الله عنك وسيحترمك الجميع.
ـ كُن مُستعدّاً دوماً لتُصلِح كلّ ما أفسدْتَه بلسانك: فشجاعتك في الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، ستُضيف إليك كثيراً من الاحترام والوَقار والوضوح والجاذبيّة، وفوق الكُلّ الاستقامة.
أريد أن أشجّعك عزيزي القارئ على أن تضع نُصبَ عينَيك دائماً، أن تراقب كلماتك وتسعى أن تنطق بكلّ ما يَبني، وفي الوقت نفسه أدعوك أن تغفر لكلّ شخص سمعتَ منه كلمات إساءة أو كلمات قادتك إلى الشّعور بالصّدمة والنّفور.
والرّبّ معك.