في الرّبع الأخير من القرن الماضي ومع تطوّر دولة الإمارات، تعزّز دور المرأة الإماراتيّة واكتسب أبعاداً جديدة، إذ حَظِيَت بكلّ التّشجيع والتّأييد من قِبَل صاحب السّموّ.
كما نصَّ دستور دولة الإمارات على أنّ المرأة تتمتّع بكامل الحقوق التي يتمتّع بها الرَّجُل، واشتمل على بنود المساواة الاجتماعيّة وللمرأة الحقّ الكامل في التّعليم والعمل والوظائف، وتأسّست جمعيّات عديدة نسائيّة واتّحدت تحت مِظلّة جمعيّة واحدة سُمِّيَت اتّحاد المرأة الإماراتيّة، لترسيخ دور المرأة والعمل على تثقيفها وتوعِيَتها وعلى مفهوم التّنمية الاجتماعيّة وحماية حقوقها في مواقع العمل وتوفير الفُرَص لها.
كما صادقت دولة الإمارات على اتّفاقيّة القضاء على كلّ أشكال التّمييز ضدّ المرأة، الذي يشمل كلّ تَفرِقة أو اختلاف في المُعامَلة أو استبعاد أو تقييد يتمّ على أساس الجنس، بهدف الانتقاص من حقوق المرأة لصالح الرَّجُل أو التّأثير على تمتُّع المرأة بالحقوق السّياسيّة والاقتصاديّة.
بعض أهم أشكال التّمييز ضدّ المرأة:
1- فيما يتعلّق بمنح الجنسيّة لأطفالها، وقد عَمِلت دولة الإمارات على إعطائها هذا الحقّ بعد سنّ 18 لأطفالها.
2- انخفاض عدد النّساء في مجالات اتّخاذ القرار في الأعمال وفي البرلمان.
3- استمرار ارتفاع الأُميّة الفكريّة والاجتماعيّة من حيث حقوق النّساء.
4- تفاوت الأُجور بين الرَّجُل والمرأة بشكل واضح، أي التّمييز على أساس الجنس وليس على أساس طبيعة العمل والمؤهّلات الفرديّة.
5- عدم توافر معلومات عن اشتراك المرأة في أسواق العمل وشروط العمل وتحديد مجالات العمل.
المرأة ومفاهيم المجتمع:
بالرّغم من قلّة المعلومات وغياب الإحصاءات التي تتعلّق بالتّمييز ضدّ المرأة، إلّا أنّ هناك اتّفاقاً بين المُهتمّين بشؤون المرأة والباحثين في مجالات حقوق المرأة، على وجود تمييز بين الرَّجُل والمرأة داخل المجتمع الإماراتي (والعربي بصفة عامّة)، فما تزال المرأة تعاني من المَوروث الثّقافي الضّخم الذي يعطي الرّجُل الحقّ (أيّاً كان بالنّسبة لها أباً أو زوجاً أو أخاً) أن يتحكّم بها ويكون صاحب القرار الأوّل فيما يخصّها، حيث يظلّ العقل الجَمعي (فكر اجتماعي عامّ) يضغط بممارسات عديدة معبِّراً عن احتقاره وتصغيره للمرأة وتقليل الكرامة الإنسانيّة لها.
حيت تُتّهَم المرأة بأنّها السّبب في كثير من المشاكل أو الأصل فيها، وكأنّ الرّجُل معصوم عن الخطأ. ويرتكز العقل الجَمعي هنا على خرافة دونِيّة المرأة وبأنّها عرضة للوقوع في الشّرّ أكثر من الرّجُل، وبأنّها المسؤولة عن إثارة مشاعر الشّهوة لدى الرّجُل، إلى ما هنالك من المفاهيم العميقة والمُتوارَثة والمُهينة التي تمنع تطوّر شخصيّة المرأة، وتُكوِّن قيوداً فكريّة على نضوجها الإنساني.
وفي بلاد لا يزال التّفكير القَبَلي طاغياً فيها، وهذا ليس عيباً بل تميُّزاً، حيث ما زالت القبائل والعشائر لها مكانتها الأدبيّة وسلطتها الأخلاقيّة، فإنّ العمل على تصحيح وتطوير المفاهيم يكون مثمراً وفعّالاً. تلك المفاهيم التي تُعزِّز دور المرأة وحقّها الأساسي في التّعليم والعمل، فتعليمها هو تعليم لجيل بكامله، أمّا عملها فإنّه يمنحها الحقّ بأن يكون لها دَخلها الخاصّ وتكون صاحبة قرارها الخاصّ بالإنفاق. فالعمل ليس فقط لأجل المردود المادّي الظّاهر بل هو أعمق من ذلك بكثير، إذ يساهم في نموّ ونضوج شخصيّة المرأة بالإضافة لتحقيق الذّات، والشّعور بالقيمة والإنجاز والإنتاج ولا يقلّ أهميّة عن الزّواج وإنشاء أُسرة. والعمل ليس مجرّد مرحلة انتظار مؤقّتة قبل الزّواج، بل هو أهمّ وسيلة لربط الإنسان بواقع الحياة وتفاعلاتها المتغيّرة، والتي هي من أهمّ العوامل النّفسيّة للتّوازن الشّخصي.
المرأة ومفهومها عن نفسها:
إنّ العوائق الكُبرى التي تواجهها المرأة في عمليّة تطوّرها وكفاحها في التّمييز ضدّها، ليس فقط يأتي من الظّروف والعوامل الخارجيّة، بل ممّا تردّده المرأة عن نفسها، أي قناعاتها الفكريّة الشّخصيّة والتي تحدّد مفاهيمها وأنماط تفكيرها وسلوكها، والتي قد تخضع للضّغوط الاجتماعيّة المتوارَثة (العقل الجَمعي)، وتحت ضغط الواجبات والتّحدّيات المنزليّة الكثيرة التي تواجهها والتي تمنع المرأة من التّطوّر الفكري وبالتّالي الشّخصي، بل يجب أن تؤمن أنّ داخلها إنساناً يتميّز بالذّكاء والقدرات المبدعة الخلاّقة، التي تستطيع بها تحقيق إنجازات عظيمة لا تقلّ أهميّة عن إنجازات الرّجُل.
إنجازات المرأة الإماراتيّة:
عبر التّاريخ لعبت المرأة الإماراتيّة دوراً اجتماعيّاً حيويّاً، بسبب أنّ الرَّجُل كان يترك البيت لفترة طويلة ليعمل في البحر، فقد كانت المرأة الإماراتيّة وما زالت رائدة في السّعي لتحقيق ذاتها، وكانت شجاعة لدخول مجالات جديدة وغريبة عليها وبزمن قصير نسبيّاً في عمر الدّول، وكانت واثقة لتشقّ طريقها في قطاعات هَيمَنَ الرّجُل عليها لوقت طويل وأثبتت جدارة مدعاة للفخر والإعجاب، وواصلت مسيرتها الاقتصاديّة المستقلّة في خطوة جريئة وراء المشاريع التّجاريّة الخاصّة، التي تتميّز بالتّنوّع والإبداع والتي لاقت استحساناً كبيراً من السّوق الإمارتي وخارجه.
يقول العالم النّفسي الفريد ادلر في كتابه الطّبيعة البشريّة: "إنّ كلّ الامتيازات التي تمتّع بها الرّجُل، تسبّبت في متاعب نموّ وتطوّر المرأة الشّخصي على مرّ العصور، ورفضتها المرأة تماماً وتحاول جاهدة التّعويض بما تتمتّع به من شخصيّة وذكاء. يجب أن نعترف بمساواة الرّجُل والمرأة المساواة الكاملة، احتراماً وتقديراً للرّجُل والمرأة على السّواء، ولإنشاء أُسَر سليمة وأجيال متّزنة لتحقيق السّعادة".
حقّاً إنّ الجرأة والمجازفة لها مخاطرها العديدة، ولكن لا بدّ أن تجلب معها التّغيير والتّنوّع الذي هو شكل من أشكال الإبداع.