لقد تربّيت في قرية صغيرة عند أسرة صغيرة وبسيطة لكن ميسورة الحال. لقد اعتادت الأسرة أن تذهب مرّة واحدة إلى الكنيسة كلّ عام لأخذ بركة عيد الميلاد. تعرّفت على ذلك الشّيخ الذي جاءني بفكرة أنّ الدّين الإسلامي هو دين الله وكلّ ما عداه كُفر من الشّيطان.
وبدأ يشكّكني في الله الذي كنت أسمع عنه مرّة واحدة في السّنة داخل الكنيسة، في النّهاية سمعت له وبعد وقت قصير ذهبت إلى دار الإفتاء لإشهار إسلامي، وتركت زوجتي المسيحيّة ولكن أخذت أولادي معي. بعد فترة قصيرة قرّرتْ زوجتي أن تُشهر إسلامها ليس حبّاً فيه، ولكن لتكون مع أولادها وأسرتها.
هذا الشّيخ الجليل الذي نجح في إسلامي، قال لي إنّه يوجد طفلة صغيرة عمرها ستة عشر عاماً تريد أن تتحوّل إلى دين الإسلام ولكن لا يستطيع ذلك في الوقت الحالي نظراً لقصرها ولم تبلغ السّنّ القانوني، لكنّه احتفظ بها في بيته للحفاظ عليها من إهلها الذين لا يعرفون شيئاً عنها حتّى الآن. لقد اقترح عليّ أن أتزوّجها عرفيّاً حتّى تأتي بالذّريّة الصّالحة من البنين والبنات. ولقد أحببتها من أوّل لقاء بيننا وتمّ الزّواج عرفيّاً ولقد أنجبتُ منها طفله جميلة.
إلى الآن لا توجد مشكلة، لكن أودّ أن أعترف لك أنّي أشعر بمرارة تجاه ما فعلته ولا أستطيع النّوم كلّ ليلة، بل أكره اللّيل لأنّي لا أريد أن أتعذّب فيه، فالأحلام والكوابيس تلاحقني كلّ يوم وأشعر بخوف رهيب من الله لأنّي أعيش في وهم ورعب منذ قرّرت أن أترك المسيح. فبعد أن تابعت البرامج الفضائيّة العربيّة وأنا أعي تماماً أنّ ما فعلته كان خطوات نحو الدّمار الكامل لي ولأسرتي وللطّفلة التي تزوّجتها والطّفلة التي أنجبتها،
فهل يا سيّدي يمكنني أن أرجع إلى حضن المسيح مرّة أخرى؟ فهل يقبلني؟
ماذا أفعل مع زوجتي الأولى وولديّ منها؟ فهل يمكن أن يقبلهم الله مرّة أخرى؟
أنا أعرف أنّ المسيح علّمنا أن نتزوّج بامرأة واحدة فقط، فلقد صارت زوجتي الثّانيه في سنّ الثّامنة عشر وطفلتي منها في عامها الأوّل، فهل ينفع أن يكون لي زوجتين في المسيحيّة؟ إن كان “لا”، فماذا أفعل مع زوجتي الأولى والثّانية؟ وأيّ منهما أترك وأيّ منهما أحتفظ؟
لك منّي جزيل الشّكر. ---ع.ع.
نعم يا سيّدي مشكلتك معقّدة بل شديدة التّعقيد، نظراً لظروفها وأحوالها وتشابك الأفراد والعلاقات فيها. وأقول أيضاً نعم أُخرى (لكن سعيدة هذه المرّة) بخصوص إمكانيّة عودتك وأفراد أسرتك جميعاً لحضن المسيح، الذي لهذا جاء، ولمثل الضّائعين كمثل حالتك وذويك أتى كي يمنح الحياة والفرصة الجديدة. ولا بُدّ لنا أن نستخلص من قصّتك دروساً وعِبَراً لتُفيدك ولتُفيد الآخرين، فانصُت إليّ جيّداً. لقد أخطأ الأهل جميعاً، والداك أوّلاً اللذين لم تكُن الكنيسة بالنّسبة لهُما إلّا مَزاراً سنويّاً، وليست كما كان ينبغي أن تكون أيّ علاقة شخصيّة حقيقيّة مع الله المُحِبّ، ثُمّ إذا بالمأساة نفسها تتكرّر أيضاً في حياة ذويك، أي زوجتَيك، من جهة عدم رعاية أُسرتيهما لهما ممّا أتى أخيراً بهذه الكارثة متعدّدة الأطراف والجوانب، وها تأثيرها يمتدّ أيضاً لجيلٍ ثالثٍ بريءٍ لا ذنب له في تقصير الأجداد أو انحراف الآباء والأُمّهات! ومن هذا يتّضح لنا جليّاً أنّ هذا هو وضع المسيحيّين الإسميّين الكثيرين الذين أخذتهم الدّنيا بصعوباتها وابتلعتهم بدوّاماتها ولم يجدوا مُرشداً أميناً ليساعدهم، وبالتّالي لم يجدوا للأسف طريقاً للتّوبة والرّجوع، مع أنّ الله ليس عن كلِّ واحدٍ منهم بِبَعيد .
ولقد أخطأتَ أنتَ أيضاً خطأً جسيماً لا يقلّ خطورةً عن خطأ الآباء، إذ أنّك اندفعت في طريق غير مدروس وذهبت بإرادتك في هذا التّيار الذي سرت فيه، فغيّرتَ مِلَّتكَ ثم انْسَقْتَ من جديد لشهوة اقتناء زوجة أُخرى بمشورة رَجُل شرير أغراضه واضحة، وأنت ناضج وتعلم مخاطر وسلبيّات أمر كهذا أخلاقيّاً وأدبيّاً بل وروحيّاً على تلك الفتاة المسكينة. وإن كنتُ أنا الآخر أعتقد أنّ جميعكم ضحايا وفي الوقت نفسه مُجرمون في حقّ إلهكم وأنفسكم، وهذا هو ما أوصلكم لما أنتم فيه. وأراكُم لم تكتفوا بذلك، بل جنيتم على أولادكم الذين لا ذنب لهم في انحرافكم عن الطّريق الصّحيح، والرّبّ يرحمكم ويرحمهم هم أيضاً ممّا سبّبه لهم آباؤهم وأُمّهاتهم الذين كان من المفروض أن يكونوا هُم المُضحِّين بكلِّ ما لهم من أجل إسعاد أبنائهم!!!.
ما أريد أن أقوله لك هُو أن تعود وفوراً لحضن المسيح وأرجو أن تفهمها وتَعيها الآن جيّداً. إنّ معرفة الله ليست ديانة تُكتَب في خانة الأوراق الرّسميَّة، بل هي علاقة شخصيّة مع الله المُحبّ لا يستطيع بشر أن يوقفها أو يؤثِّر فيها مهما كان، وهي مبنيّة على توبة قلبيّة ومعرفة حقيقيّة بالمسيح وشركة مُستمرّة معه، وارتباطاً وثيقاً بكنيسته وبممارسة وسائط النّعمة الضّروريّة للنموّ والحماية من الانحراف، مثل الصّلاة وقراءة كلمة الله المقدّسة (الكتاب المقدّس) وحضور الاجتماعات المسيحيّة اللازمة لبُنيان المسيحي الحقيقي، كما أنّها تتطلّب أيضاً إنكاراً للذّات وحَملاً للصّليب وسَيراً في طريقٍ ضيّق وصعب لكنّ نهايته مضمونة. وأنا أثق أنّك تَعي ذلك الآن جيّداً، لكن يبقى السّؤال هل أنت مستعدّ لدفع ثمن ذلك كلّه أم لا؟!
ما أشير عليك به بعد أن تعرف الله، هوأن تقود أُسرَتَيك أيضاً لأن يعرفوا الله المعرفة الحقيقيّة، وهذه هي أبسط وألزم مسؤوليّة لديك في الوقت الحالي، وأن تكون مستعدّاً لأن تعمل ذلك مهما كلّفك الأمر ومهما قابلتك المخاوف والمخاطر، وهو بلا شكّ سيُكلِّف.
بخصوص ما تراه أعقد ما في الأمر وأنا أعترف بصعوبته، ألا وهو وضع أُسرتَيك السّابقة والحاليّة، أقول: قد تختلف المشورات كثيراً بخصوص هذا الأمر، لكنِّي بحسب رأيي أُشير عليك أن تستمرّ مع أُسرتك الأولى وكذلك تشرف وتهتمّ بأُسرتك الثّانية، لكنِّي لا أستطيع بالطّبع أن أُشير عليك أن تستمرّ مع كلتا الزّوجتَين، فهذا ما ينهانا الله عنه. أنا أعلم أنّ ما أقوله لك صعب، لكنّي مضطر أن أقوله، لكن لاحظ أنّ هذا يندرج تحت بند دفع الثّمن المُكلِف لتبعيَّة المسيح، ولاحظ أيضاً أنّ هذا يندرج تحت القانون الطّبيعي والسّماوي الذي يقول: إنّ ما يزرعه الإنسان إيّاهُ يحصد، وأنت وزوجتَيك قد اخترتم خطأً وزرعتم خطأً وهذا هو نوع من الثّمن الذي عليكم أن تدفعوه، وأنا أثق أنّ الله سيعوِّض وسيساعد. وأتخيّل أنّي أسمعك تقول لي: وما ذنب الطّفلة البريئة من زوجتي الثّانية. وأنا أقول لك إنّ هذا هو قمّة المأساة وللأسف كثيراً ما يدفع الأبناء الأبرياء ثمن خطايا الآباء، وهذا انسحب على أطفالك سواء من الأولى أو الثّانية، لكنّي أثق أنّ لهُم جميعاً أباً سماويّاً أميناً لا يُخطىء وهو سيتكفّل بهم جميعاً، ولاحظ أنّ زواجك الثّاني على أيِّ حال لم يكن زواجاً شرعيّاً ولا قانونيّاً على كلّ الأصعدة والمستويات، بل هو أشبه بعلاقة عابرة وزاد الوضع تعقيداً بإثماره طفلة بريئة لا ذنب لها في هذا كلّه، وأرجو ألّا يغضبك كلامي هذا لأنّ هذه هي الحقيقة!. لذا فأنا أرى أن تتكفّل برعاية الزّوجة الثّانية وابنتك منها، وربّما يساعدك أحد الآباء الكهنة أو أيِّ شخص تَقي ومُقتدِر في إيجاد طريقة لمساعدتهما، كتأمين عمل بسيط وكريم للأُم تتعيّش منه، كأن تعمل في دار حضانة أو ملجأ أو مدرسة ... أو ربّما تعود لصوابها أو يرعاها أهلها إن هي رجعت إليهم، فهُم أَولى بها على أيِّ حالٍ.
بقي أن أقول إنّه يمكنك الاستعانة بمُشير أمين أو خادم مُتخصِّص، ويمكنني أن أقترح عليك بعض الأشخاص الذين يمكنهم مساعدتك بالمشورة والصّلاة.
أخيراً لك تحيّاتي ومحبّتي وسنُصلّي لأجلك والرّب يباركك، وأُرحّب دوماً بأيّة مُداخلة أو استفسارات جديدة منك وثِق أنّني سأهتمّ دوماً بالرّدّ عليها.