بحسب الإحصائيّات الأخيرة الصّادرة عن منظمّات دوليّة وإنسانيّة انخفضت نسبة المسيحيّين "النّصارى كما يسمّيهم المسلمين" في الشّرق الأوسط (العراق، سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين ومصر) من 20% إلى 5% فقط.
لكن بالعودة إلى التّاريخ، سنجد أنّ السّكّان الأصليّين لهذه الدّول هم مسيحيّون بالأصل. فما هي الأسباب التي جعلتهم يتركون بلادهم وأوطانهم وعائلاتهم ومجتمعاتهم؟
من خلال نظرة سريعة لما يحدث خارج منطقة الشّرق الأوسط، سنجد أنّ عدد الجاليات من هذه الدّول يفوق عدد سكان هذه الدّول وأغلبيّتهم من المسيحيّين. وهذه الهجرة لها أسبابها بالطّبع، ومنها: عدم وجود فرص عمل في هذه البلدان التي تستورد أكثر بكثير ممّا تصدّر، والمُصَنَّفة "دول عالم ثالث". وهناك سبب آخر وهو الأهمّ بالنّسبة للمسيحيّين وهو الاضطهاد الحاصل عليهم. لا نقصد بالاضطهاد القتل فقط (كما يحصل في العراق أو في مصر)، بل عندما تُعطى وظيفة لمسلم وهناك مسيحي مؤهَّل أكثر للوظيفة، فهذا اضطهاد. أو عندما يسمع المسيحيّيون كلّ يوم جمعة الخُطُب الرّنّانة التي تكفّرهم وتهدر دماءهم، فهذا نوع من أنواع الاضطهاد النّفسي. عندما يرفض صاحب متجر أن يبيع سيّدة لأنّها لا ترتدي الزّيّ الإسلامي (كالحجاب أو النِّقاب ...) فهذا يُعتَبر اضطهاداً اجتماعيّاً. عندما يعود ابني من المدرسة ويسألني: "هل صحيح أنّ الله (الرّحيم) سيعلّقنا من ألسنتنا في الآخرة لأنّنا لسنا مسلمين؟"، وعندما أعرف من ابني أنّ طفلاً صغيراً عمره بعمر ابني (9 سنوات) هو من قال هذا، فهذا اضطهاد. عندما أسير في الشّارع مع زوجتي، وأسمع شخصاً يسير إلى جانبنا يقول بصوت منخفض "أستغفر الله العظيم ... أستغفر الله العظيم ...". وأنا حقيقةً لا أفهم لماذا يقولها، لكنّني أُدرك أنّه بطريقة أو بأُخرى عرف بأنّنا مسيحيّون، لذلك يقول هذه العبارة، مع أنّ عيباً لم يصدر من أحد منّا. لكن هذا الأسلوب وهذه الطّريقة أُجبِرنا على التّعوُّد عليهما.
بالمقابل ماذا تعلِّمنا كلمة الله "الكتاب المقدّس" عن أسلوب تعاملنا مع الآخَرين أيّاً كان هؤلاء الآخَرين. سُئِل السّيّد المسيح عن أعظم وصيّة، فقال في إنجيل مرقس 12: 30 و31 . إنّ المبدأ الأساسي الذي نتعامل فيه مع بعضنا البعض كبشر بحسب تعاليم الكتاب المقدّس هو المحبّة. وبالطّبع لا يقصد الرّب يسوع المسيح هنا المحبّة كمشاعر وأحاسيس فقط، بل يقصد فيها الإرادة والفعل. فكما نُحبّ الله لا بالكلام فقط، بل بطاعة وصاياه والعيش بقداسة، علينا أن نحبّ الآخّر عمليّاً، وأن نعمل لخيره ولمصلحته.
ففي المجتمع المسيحي (الذي تبقّى) هناك شعور بأنّ انخفاض نسبة المسيحيّين هو ممنهج ومنظّم. لكن من قِبَل مَن؟ ومن يريد الشّرق الأوسط بدون مسيحيّين؟ لا أحد يعرف، لكن ما يمكن قوله في هذا المجال أنّ الطّريقة التي يُعامَل بها مسيحيّو الشّرق الأوسط لا تنمّ عن احترام وشراكة حقيقيّة في البلد الواحد. لذلك لديّ كلمتَين أوجّههما للمسلم وللمسيحي.
للمسلم: أنا (كمسيحي) أحبّك، ولا أريد لك سوى الصّحّة والازدهار والتّقدُّم في حياتك الخاصّة وفي المجتمع. لذلك أرجو أن تقبلني كشريك لك في بناء مجتمع صحيح وسليم العلاقات.
للمسيحي: لا تترك أرضك وبلدك أخي العزيز، فجذورنا هنا، وثقافتنا هنا في وطننا. عِشْ مسيحيّتك كما يعلّمك الكتاب المقدّس والرّب قادر على إظهار الحقّ في كلّ الظّروف وفي أصعب الأحوال.
للإجابة على السّؤال المطروح كعنوان، نحن لا نريد أن يكون الشّرق الأوسط للمسلمين فقط ولا للمسيحيّين فقط. نحن نريده وطناً للجميع يعيش فيه الجميع بسلام وحبّ ووئام، دون حقد وتمييز وتشهير. فهل هذا المَطلب مُحقّ في رأيك أم ماذا؟