المعونة السّابعة ـ كُنْ وديعاً
أفسس 4: 2 "بكلّ تواضع ووداعة وبطول أناة مُحتَمِلين بعضكم بعضاً في المحبّة". 1 بطرس 3: 4 "بل إنسان القلب الخفي في العديمة الفساد زينة الرّوح الوديع الهادىء الذي هو قُدّام الله كثير الثّمن". |
|
يا لها من معونة رائعة وكثيرة الثّمن قُدّام الله. تجميل إنسان القلب الخفي هو الزّينة الرّئيسيّة للحياة المسيحيّة وعلى الأخصّ الرّوح الوديع الهادىء. لو أنّ الفهم هو الحكمة التي يتمتّع بها المسافر النّاضج إذن الوداعة هي سلوك وأعمال المسافر النّاضج. هذه هي المعونة الأخيرة لرحلة الإيمان والسِّمة الشّخصيّة الوحيدة التي تعكس النّضوج أكثر من كلّ الصّفات الأُخرى. الوداعة هي مزيج من التّواضع والانكسار والمحبّة والسّلام. إنّها الكلمات غير المنطوقة التي تفيض من خلال حياة مركزها المسيح. كثيراً ما نربط بين النّضوج والنّموّ في المعرفة الكتابيّة وبين السُّلطة المتزايدة. لكن العلم ينفخ (1 كورنثوس 8: 1) والمحبّة تبني. إنّنا نميل للاعتقاد بأنّ النّضوج يأتي من خلال الحقّ وأنّ نبع الحقّ يفيض بنهر حياة. لكن المسيح حرّض تلاميذه على أن يتعلّموا منه لأنّه "وديع ومتواضع القلب" (متّى 11: 29). يميل العالم أيضاً إلى رؤية الوداعة كضعف وكصفة غير مرغوب فيها للبقاء على قيد الحياة، في عالم يقوم على المنفعة والمصلحة. وهذا يؤدّي أحياناً إلى أن يتمّ الخلط بين الوداعة ونقص السُّلطة أو القوّة. قد يكون لهذا الرّأي عواقب مُدمِّرة يعاني منها المسافر. هناك صورة جميلة في الكتاب المقدّس عن كيف تكون وديعاً. كثيراً ما يَصِف الرّبّ نفسه في الكتاب المقدّس بطريقتَين مُتضادّتَين ظاهريّاً. فمن ناحية يدعونا قائلاً: "احملوا نيري عليكم وتعلّموا منّي لأنّي وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحةً لنفوسكم" (متّى 11: 29). ومن ناحية أُخرى نقرأ في العهد القديم عن قدرة الله الفريدة التي لا يستطيع أحد أن يحدَّها أو يقاومها. لقد مَلَكَ الله دائماً وسيملك دائماً بكلّ جلال واقتدار. نجد في عدد 23: 22 أنّ قوّة الله مُصوَّرة "مثل سرعة الرِّئْم". وفي بعض التّرجمات الأُخرى نجدها كـ"قرون الجاموس الوحشي" أو "قوّة وحيد القرن". كيف نوفّق بين هذه الصّورة وبين إله وديع؟ هذا لا يتّضح إلاّ في إطار الوداعة والقوّة. الجاموس الوحشي هو من أشرس الحيوانات في الغابة، فهو أقوى من الأسد وبإمكانه أن يقتل أكثر من الفِيَلة. لكن ـ وهذا يشير إلى إله لا نظير له ـ قرون الجاموس الوحشي لا تساعده في الدّفاع عن نفسه والقتال لأجل السُّلطة فقط، بل لها استخدام آخر في غاية الأهميّة. فما يميّز هذه القرون ليس فقط في القوّة التي توفّرها بل في الوداعة التي تقدّمها. الأوعية الدّمويّة في مركزها العظمي تُتيح للقرون بالقيام بدور مروحة (مكيّف) أو نظام تبريد. مصدر القوّة الموجود بقرون الجاموس الوحشي هو نفسه المصدر الذي يساعده على البقاء هادئاً ووديعاً. رسمت هذه الصّورة الوداعة في أفضل أشكالها، فقُوّتها في ضعفها. إنّها قوّة في الخدمة مع تواضع وثقة. إنّها مزيج من الوداعة والقوّة وضبط النَّفْس. ولا يصبح هدف المسافر إذن طلب قوّة الله بدون الكشف عن وداعته أوّلاً. لذا كُنْ وديعاً، مُهاجِماً أو مُدافِعاً، مُنتصِراً أو مَهزوماً، قائداً أو خادماً. ليبتهج قلبك كإنسان قلبه الخفي يتمتّع بجمال عديم الفساد، وبزينة الرّوح الوديع الهادىء الذي هو قُدّام الله كثير الثّمن. |
|
أخبرنا "ريتشارد ورمبراند" ـ الذي قضى بالسّجون الرّوسيّة أكثر من عشر سنوات بسبب إيمانه ـ قصّة أحد زملائه المسجونين، الأخ "باسل"، الذي كان يعمل كوكيل نيابة شيوعي في رومانيا. غضب الحزب على "باسل" وألقاه زملاؤه في السّجن وكان في الزّنزانة نفسها مع القسّ "ورمبراند"، فحكى له كيف نقلوه من سجن يعاني من مجاعة بشعة إلى منجم حيث كانوا يعطون المساجين طعاماً وفيراً لأنّهم كانوا يقومون بأعمال سِخرة. وعند بوّابة السّجن قابَلَ غريباً قدّم له بعض الطّعام وجلس معه وهو يأكل. سأل وكيل النيابة السّابق الغريب عن مدّة عقوبته فكانت الإجابة عشرين سنة. "لماذا؟" "لأنّي قدّمت طعاماً لقسّ هارب من البوليس". "ومن أعطاك هذه العقوبة القاسية على هذا المعروف؟" "أنت كنت وكيل النّيابة أثناء محاكمتي. لم تتعرّف عليّ لكنّني عرفتك. أنا مسيحي مؤمن. والمسيح علّمنا أن نجازي الشّرّ بالخير. أتمنّى أن أكون علّمتك أن تعطي طعاماً للجائع". |
|
"الضّعفاء فقط قساة القلوب. الوداعة لا يمكن أن تتوقّعها إلاّ من الأقوياء فقط" ليو بوسكاجليا |
|
ربّي الحبيب، أعطني روحاً وديعاً وشخصيّة محبوبة. اهدِني قلباً وديعاً ومُحِبّاً وصبوراً في الحياة اليوميّة حتّى لا أتسبّب في إيذاء أحد بل أُقدّم حياةً لجميع من حولي. |